فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)}.
لما رأى موسى من مكابرة فرعون عن الاعتراف بدلالة النظر مَا لا مطمع معه إلى الاسترسال في الاستدلال لأنه متعاممٍ عن الحق عدل موسى إلى إظهار آية من خوارق العادة دلالة على صدقه، وعرض عليه ذلك قبل وقوعه ليسد عليه منافذ ادعاء عدم الرضا بها.
واستفهمه استفهامًا مشوبًا بإنكار واستغراب على تقدير عدم اجتزاء فرعون بالشيء المُبين، وأنه ساجنُه لا محالة إن لم يعترف بإلهية فرعون، قطعًا لمعذرته من قبل الوقوع.
وهذا التقدير دلت عليه {لو} الوصلية التي هي لفرض حالة خاصة.
فالواو في قوله: {أولو جئتك} واو الحال، والمستفهم عنه بالهمزة محذوف دل عليه أن الكلام جواب قول فرعون {لأجعلنك من المسجونين} [الشعراء: 29] والتقدير: أتجعلني من المسجونين والحال لو جئتك بشيء مبين، إذ القصد الاستفهام عن الحالة التي تضمنها شرط {لو} بأنها أولى الحالات بأن لا يثبت معها الغرض المستفهم عنه على فرض وقوعها وهو غرض الاستمرار على التكذيب، وهو استفهام حقيقي.
وليست الواو مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن لحرف الاستفهام الصدارة بل هي لعطف الاستفهام.
والعامل في الحال وصاحِب الحال مقدّران دل عليهما قوله: {لأجعلنَّك} [الشعراء: 29]، أي أتجعلني من المسجونين.
ووصفُ {شيء} ب {مبين} اسم فاعل من أبان المتعدي، أي مُظهرٍ أني رسول من الله.
وأعرض فرعون عن التصريح بالتزام الاعتراف بما سيجىء به موسى فجاء بكلام محتمل إذ قال: {فأت به إن كنت من الصادقين}.
وفي قوله: {إن كنت من الصادقين} إيماء إلى أن في كلام فرعون ما يقتضي أن فرض صدق موسى فرض ضعيف كما هو الغالب في شرط {إن} مع إيهام أنه جاء بشيء مبين يعتبر صادقًا فيما دعا إليه، فبقي تحقيق أن ما سيجيء به موسى مبين أو غير مبين.
وهذا قد استبقاه كلام فرعون إلى ما بعد الوقوع والنزول ليتأتى إنكاره إن احتاج إليه.
والثعبان: الحية الضخمة الطويلة.
ووصف {ثعبان} بأنه {مبين} الذي هو اسم فاعل من أبان القاصر الذي بمعنى بَان بمعنى ظهر، ف {مبين} دال على شدة الظهور من أجل أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان لا لبس فيه ولا تخييل.
وبالاختلاف بين {مُبينٍ} الأول و{مُبينٌ} الثاني اختلفت الفاصلتان معنى فكانتا من قبيل الجِناس ولم تكونا مما يسمى مثله إيطاءً.
والإلقاء: الرمي من اليد إلى الأرض، وتقدم في سورة الأعراف.
والنزع: سلّ شيء مما يحيط به، ومنه نزع اللباس، ونزع الدلو من البئر.
ونزع اليد: إخراجها من القميص، فلذلك استغنى عن ذكر المنزوع منه لظهوره، أي أخرج يده من جيب قميصه.
ودلت {إذا} المفاجِئة على سرعة انقلاب لون يده بياضًا.
واللام في قوله: {للناظرين}.
يجوز أن تكون اللامَ التي يسميها ابن مالك وابن هشام لام التعدية، أي اتصال متعلقها بمجرورها.
والأظهر أن تكون اللام بمعنى عند ويكون الجار والمجرور حالًا.
وقد مضى بيان ذلك عند قوله تعالى في سورة الأعراف (108) {ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} ومعنى: للناظرين أن بياضها مما يقصده الناظرون لأعجوبته، وكانَ لون جلد موسى السمرة.
والتعريف في {للناظرين} للاستغراق العرفي، أي لجميع الناظرين في ذلك المجلس.
وهذا يفيد أن بياضها كان واضحًا بيّنًا مخالفًا لون جِلده بصورة بعيدة عن لون البرص.
{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)}.
تقدم الكلام على نظير هذه الآية في سورة الأعراف، سوى أن في هذه الآية زيادة {بسحره} وهو واضح، وفي هذه الآية أن هذا قول فرعون للملإ، وفي آية الأعراف (109) {قال الملأ من قوم فرعون} والجمع بينهما أن فرعون قاله لمن حَوله فأعادوه بلفظه للموافقة التامة بحيث لم يكتفوا بقول: نعم، بل أعادوا كلام فرعون ليكون قولهم على تمام قوله.
وانتصب {حوله} على الظرفية.
والظرف هنا مستقر لأنه متعلق بكون محذوف هو حال من الملأ.
وتقدم وجه التعبير عن إشارتهم عليه بقوله: {تأمرون} في سورة الأعراف (110).
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)}.
تقدم الكلام على نظيرها في سورة الأعراف سوى أن في هذه الآية {وابعث} بدل {وأرسل} [الأعراف: 111] وهما مترادفان، وفي هذه الآية {سحّار} وهنالك {ساحر} [الأعراف: 112] والسحار مرادف للساحر في الاستعمال لأن صيغة فَعَّال هنا للنسب دلالة على الصناعة مثل النجَّار والقصّار ولذلك أتبع هنا وهناك بوصف {عليم}، أي قوي العلم بالسحر.
{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)}.
دلت الفاء على أنّ جمع السحرة وقع في أسرع وقت عقب بعث الحاشرين حرصًا من الحَاشرين والمحشورين على تنفيذ أمر فرعون.
وبني {جُمع وقيل} للنائب لعدم تعين جامعِين وقائلين، أي جَمَعَ من يجمع، وقال القائلون.
واللام في {لميقات} بمعنى عند كاللام في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78].
واليوم: هو يوم الزينة وهو يوم وفاء النيل.
والوقت هو الضحى كما في سورة طه.
والميقات: الوقت، وأصله اسم آلة التوقيت.
سمي به الوقت المعين تشبيهًا له بالآلة.
والتعريف في {للناس} للاستغراق العرفي، وهم ناس بلدة فرعون منفيس أو طيبة.
و{هل أنتم مجتمعون} استحثاث للناس على الاجتماع، فالاستفهام مستعمل في طلب الإسراع بالاجتماع بحيث نزلوا منزلة من يسأل سؤال تحقيق عن عزمه على الاجتماع كقوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} في سورة العقود (91)، وقول تأبط شرًا:
هل أنت باعثُ دينار لحاجتنا ** أو عبدِ ربَ أخا عون بن مخراق

يريد ابعث إلينا دينارًا أو عبد رب سريعًا لأجل حاجتنا بأحدهما.
ورجَوا اتّباع السحرة، أي اتباع ما يؤيده سحر السحرة وهو إبطال دين ما جاء به موسى، فكان قولهم {لعلنا نتّبع السحرة} كناية عن رجاء تأييدهم في إنكار رسالة موسى فلا يتبعونه.
وليس المقصود أن يصير السحرة أئمة لهم لأن فرعون هو المتّبع.
وقد جيء في شرط {إن كانوا هم الغالبين} بحرف {إن} لأنها أصل أدوَات الشرط ولم يكن لهم شك في أن السحرة غالبون.
وهذا شأن المغرورين بهواهم، العُمي عن النظر في تقلبات الأحوال أنهم لا يفرضون من الاحتمالات إلا ما يوافق هواهم ولا يأخذون العُدة لاحتمال نقيضه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)}.
يعني: إذا لم تقنع بكل الحجج السابقة، فهل لو جئتك بآية واضحة دالة على صدق رسالتي، أتجعلني أيضًا من المسجونين؟.
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)}.
انظر إلى تعارض فرعون مع نفسه، فكان عليه ساعةَ أنْ يسمع من موسى هذا الكلام أنْ يُصر على سجنه، لكن الحق تبارك وتعالى يريد أنْ يُظهر حجته، فيجعل فرعون هو الذي يطلبها بنفسه {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الشعراء: 31] وما كان لموسى أن يأتي بآية إلا أنْ يطلبها منه فرعون.
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)}.
إلقاء العصا له في القرآن ثلاث مراحل: الأولى: هي التي واكبتْ اختيار الله لموسى ليكون رسولًا، حين قال له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} [طه: 17] وقلنا: إن موسى عليه السلام أطال في إجابة هذا السؤال لحرصه على إطالة مدة الأُنْس بالله عز وجل فقال: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [اطه: 18].
فالعصا في نظر موسى عليه السلام عود من الخشب قريب عهد بأصله، كغصن في شجرة، لكنها عند الله لها قصة أخرى: {قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} [طه: 19- 20].
وما صارت العصا عصًا إلا بعد أنْ قُطِعت من شجرتها، وفقدت الحياة النباتية، وتحولت إلى جماد، فلو عادت إلى أصلها وصارت شجرةً من جديد لكان الأمر معقولًا، لكنها تجاوزتْ مرتبة النباتية، وتحولت إلى الحيوانية، وهي المرتبة الأعلى؛ لذلك فزع منها موسى وخاف فطمأنه ربه:
{قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} [طه: 21].
وكانت هذه المرة بمثابة تدريب لموسى عليه السلام؛ ليألف العصا على هذه الحالة، وكأن الله تعالى أراد لموسى أنْ يُجري هذه التجربة أمامه، ليكون على ثقة من صِدْق هذه الآية، فإذا ما جاء لقاء فرعون ألقاها دون خوف، وهو واثق من نجاحه في هذه الجولة.
إذن: كان الإلقاء الثاني للعصا أمام فرعون وخاصته، ثم كان الإلقاء للمرة الثالثة أمام السحرة.
ومعنى {ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء: 32] يعني: بيِّن الثعبانية، فيه حياة وحركة، وقال: {ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء: 32] يعني: واضح للجميع؛ لأنهم كانوا يجيدون هذه المسألة ويُخيِّلون للناس مثل هذه الأشياء، ويجعلونها تسعى وتتحرك، ولم تكن عصا موسى كذلك، إنما كانت ثعبانًا مبينًا واضحًا وحقيقيًا لا يشكّ في حقيقته أحد.
والمتتبع للقطات المختلفة لهذه الحادثة في القرآن الكريم يجد السياق يُسمِّيها مرة ثعبانًا، ومرة حية، ومرة جانًا، لماذا؟ قالوا: لأنها جمعت كل هذه الصفات: فهي خفة حركتها كأنها جان، وفي شكلها المرعب كأنها حية، وفي التلوِّي كأنها ثعبان. والجان: فرخ الحية.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ} هنا يتكلم عن نزع اليد؛ لأنه قال في آية أخرى: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء} [القصص: 32].
وهكذا تتكامل لطقات القصة الواحدة، والتي يظنها البعض تكرارًا، وليست هي كذلك.
{وَنَزَعَ} [الشعراء: 33] يعني: أخرج يده {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: 33] مع أن موسى عليه السلام كان آدم اللون يعني فيه سُمْرة، ومع ذلك خرجتْ بيضاء، لها شعاع وبريق يأخذ بالأبصار.
وبمقارنة هذه الآية بآية سورة القصص نجد أنه حذف من آية سورة الشعراء الجيب، وهو فتحة الثوب من أعلى، لا الجيب المتعارف عليه، والذي نضع فيه النقود مثلًا، وكانوا في الماضي يجعلون الجيب بداخل ملابس الإنسان، ليكون في مأمن، فإذا أراد الإنسان شيئًا فيه مَدَّ يده من خلال الفتحة العليا للثوب، فسُمِّيتْ جيبًا.